الدكتور مجتبى مرتضى – ليبانون تايمز
يجمع اللبنانيون على ثابتة مشتركة وهي ال “لا ثقة”.
لا ثقة للشعب بدولته لأنها وعلى مرّ تاريخها لم تقدم النموذج الذي يفترض بالدولة أن تقدمه لمواطنيها. فهي تجيد لعب دور العاجز المستقيل من دوره غير العابئ بحاجات المواطنين.
لا ثقة للناس بمؤسساتهم، فهم يعتقدون إن الأدارة فاسدة، وأن القضاء غير قادر على معالجة الأزمات، وأن التعليم الرسمي فاشل، وأن المستشفى الحكومي أسرع طريق إلى الأبدية.
لا ثقة للشعب بالحكام، لأن حكام الدولة هم بالفعل ممثلون للطوائف لا لعموم الشعب. ثم أنهم يسعون إلى المحافظة على مواقعهم ولو على حساب مستقبل الناس وأحلامهم. أضف إلى ذلك، استحالة إجماع أبناء كل الطوائف على رأي واحد بالسياسيين. لأنه مقابل تبجيل أبناء الطائفة لزعيمهم تسعى الطوائف الأخرى لشيطنته انطلاقاً من حسابات طائفية ضيقة لا من حسابات اللعبة السياسية المشروعة.
لا ثقة للدولة بشعبها لذلك تلجأ إلى المواربة في طرح المواضيع والملفات لا إلى وضعها على بساط البحث لاستمزاج الرأي العام في صناعة القرار.
لا ثقة للسياسيين بالدولة، وهذه من المفارقات التي تمتاز بها دولتنا، إذ إن السياسي الحاكم يلقي باللوم على الدولة ويتهمها بالتقصير وعدم القيام بواجباتها وينسى أنه جزء منها ومسؤول فيها. والسبب في ذلك يعود إلى النظام السياسي الهجين والمتعدد الرؤوس والذي يسمح للحكام وبسهولة مطلقة التفلت من مسؤولياتهم.
لا ثقة لأبناء الأطراف بالمركز، فهم يشعرون بأنهم مواطنون درجة ثانية أو ثالثة في حسابات الدولة ومشاريعها لذلك تراهم يطالبون بمساواتهم بأبناء المركز الذين يتمتعون بخدمات الدولة ومشاريعها ويعيشون ترف وجود الدولة بينهم وتمركز المؤسسات الخاصة السياحية والصحية والعلمية.
لا ثقة للناس بمستقبلهم، فهم اعتادوا العيش يوماً بيوم ينظرون بخوف إلى مستقبلهم ومستقبل أولادهم بسبب واقعهم والظروف المحيطة بهم، وبسبب الأطماع الصهيونية بأرضهم وثرواتهم.
لا ثقة لأبناء الشعب ببعضهم، فهم ينظرون بعين الريبة من الآخر. والآخر ليس سوى مواطن مثلهم ولكنه ينتمي إلى طائفة أخرى أو منطقة أخرى. هذا الآخر هو مجهول بالنسبة إليهم على الرغم من حرصه للتواجد معهم في كل مناسباتهم.
لا ثقة بالجمعيات الأهلية ولا بالأحزاب السياسية ولا بالإعلام ووسائله ولا بالمؤسسات المالية وحكامها.
لا ثقة للناس بأنفسهم، تراهم يفتشون عن الحلول هنا وهناك وينسون أن يبحثوا عنها في أنفسهم.
لا ثقة لأحد بأحد!
في ظل هذه الحالة من يعطي الثقة لمن؟ ومن يطمئن من؟ كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟ وهل نستطيع أن نعمل وننتج ونتطور في ظل هذه اللاثقة؟
أسئلة عديدة يمكن أن تطرح على بساط البحث ولن نجد إجابة لها، فنحن لا نثق بمن نطلب منه الإجابة وبالتالي لن نقبل بأي طرح يقدمه. فكيف نقبل الحلّ ممن لا نثق به؟
ما العمل، اذا؟ أنبقى ندور في هذه الحلقة المفرغة، التي لن تجرنا إلا إلى الخراب والويلات؟
في ظل انعدام الثقة المطلق، أثق بتحفظ، بأن الحل موجود، وهو سهل يسير اذا أردنا لذلك سبيلاً. وهو يتمثل بأن ندخل جميعاً: الشعب، الدولة والحكام باختبار ثقة يقوم على إعطاء الفرصة لبعضنا بأن ننكب على العمل والعمل فقط، وأن نعمل بصمت تام.
تغيير السلوك والتحول نحو العمل المنتج والمتفاني، سوف يسمح لنا بأن نتعافى من مرض اللاثقة. وبذلك نكون خطونا أولى خطواتنا نحو بناء الدولة العادلة والقادرة. الدولة الحقيقية وحدها من تعيد الثقة بين كل مكوناتها وبعد ذلك من أصرّ على اللاثقة تكون أفعاله مردودة عليه.
إنها الفرصة الأخيرة، فلنستغلها بالكثير من العمل والقليل من الكلام، وإلا فإنه لن يبقى لنا وطن حتى لنمارس هوايتنا “المرضية” بعدم الثقة فيه!